قتل النساء على خلفية الشرف أم الشك
صفحة 1 من اصل 1
قتل النساء على خلفية الشرف أم الشك
قتل النساء على خلفية الشرف أم الشك
بقلم: محمد كريزم
درجت العادة في الخطاب النسوي بشقيه الإعلامي والمؤسسي، على تناول وصف خاطئ لجرائم قتل النساء على ما يسمى بـ ( خلفية الشرف )، وتوظيفه ليكون محور الحملات الإعلامية المكثفة واسعة النطاق، بالتزامن مع عقد المؤتمرات وورش العمل والندوات التي تعالج هذه القضية بالإصرار على تثبيت هذا الوصف الخاطئ والمجافي للحقيقة على أرض الواقع، وللأسف تنهمك المنظمات النسائية في فلسطين والدول العربية بتكراره وتنساق وراء مفاهيم مغلوطة في وصف الأمور التي تكرس بعض الحالات الفردية الشاذة وكأنها القاعدة.
لنسأل أنفسنا سؤالاً مشروعاً ...
هل فعلاً معظم جرائم القتل التي ارتكبت بحق النساء تم اقترافها والشروع بها على خلفية ما يسمى بـ ( الشرف )؟ أم ارتكبت على خلفية ( الشك )؟
إذن مطلوب منا إجابة مشروعة وشافية...
دلت كافة التحقيقات الجنائية الحاسمة والجازمة المسندة بالأدلة القانونية والطبية الدامغة والقاطعة أن غالبية جرائم قتل النساء ارتكبت على خلفية الشكوك والظنون البائسة، وليس هناك ما يدل على أن النساء المغدورات فرطن بشرفهن وعذريتهن، أو لوثن كرامتهن وسمعتهن.
ما يترتب على تلك الحقيقة، يثير تساؤلات ملحه ...
ما جدوى وصف تلك الجرائم أنها ترتكب على خلفية الشرف طالما أن الشرف لم يمس؟ ولماذا تتمسك المنظمات النسائية بهذا الوصف غير الواقعي؟ ولماذا تنساق وسائل الإعلام بتأجيج وتضخيم الأمور وتخرجها من سياقها الإجرامي؟ ولماذا ينكب ويتهافت المشرعون على تشريع وتسويغ القوانين العقابية المخففة لمرتكبي جرائم قتل النساء على خلفية الشك؟
مزيداً من الإيضاح...
طالما توصلنا إلى نتيجة مفادها أن هؤلاء النسوة المغدورات قتلن على خلفية الشك وليس على خلفية الشرف، ماذا يتبقى من أوصاف في غير محلها فوق الغربال؟
وإذا حاولنا تشخيص القضية سنجد أن القتلة ارتكبوا جرائمهم مندفعين بالشكوك الحائمة والقيل والقال والحالة الانفعالية التي يعيشها هؤلاء الأشخاص غير الأسوياء بعيداً عن الاتزان والتعقل، وبالتالي غير معنيين بالبحث والتحري والتقصي حول ما يتعلق بسمعة وشرف أرحامهم من النساء الذي أوصى الله سبحانه وتعالى بحمايتهن والدفاع عنهن والذود عن حياضهن.
ما يثير الحنق والغضب حقاً حول مسوغات ومبررات أفعال هؤلاء الأشرار وكيف ارتضوا لأنفسهم إزهاق أرواح بريئة بهذه الطريقة البشعة؟ هل ارتكبوا جرائمهم بعد أن تجمعت لديهم براهين يقينية وإثباتات دامغة من أجل تفريغ هذا الحقد الأسود، أم أن الأمر لا يتعدى مجرد حالة نفسية تصيب مرتكبي تلك الجرائم، ومن ثم يقال عنهم أنهم أبطال ( غسلوا عارهم ) بإراقة دماء تلك النسوة في المناطق الخالية، ومن ثم التغول أكثر فأكثر بتهشيم رؤوسهن بالحجارة ( حتى يكون الغسيل أكثر نظافة ).
وللأسف كلمة يجب أن تقال...
بعد كل هذه القسوة والتوحش والظلم من هؤلاء الأشرار بحق النساء، نجد هناك من يجند نفسه ولو بحسن النيه للدفاع عنهم، وتغليف أفعالهم بمسميات لها علاقة بالشرف والفضيلة والأخلاق، مع أنها بعيدة كل البعد عنها، وأحياناً كثيرة تكيل المديح للقتلة وتسيء للضحايا من النساء المغدورات اللواتي وقعن تحت قسوة الظلم الاجتماعي لهن، والتعبئة الحاقدة من القائمين على التربية البديلة الذين يستغلوا كل ما من شأنه في هتك النسيج العائلي والإجتماعي للمجتمع العربي.
عبارة ( قتل النساء على خلفية الشرف ) بهذه الصياغة اللغوية، كفيلة بإجهاض كل محاولات الدفاع التي تقوم بها الحركات النسوية على هذا الصعيد، في حين تتعاظم النظرة المؤيدة والمتعاطفة مع هؤلاء الأشرار من قبل بعض أفراد ومجموعات المجتمع العربي التقليدي، بإعتبار أن القتلة يقومون بعمل شريف يستحق كل الثناء والتقدير من كافة الشرائح والفئات و من صناع القرار السياسي والإجتماعي والتشريعي والقانوني، وتهافتهم لتخفيف العقوبة على المجرمين كلفته إنسانية مهمة لقيامهم بهذا العمل النبيل والشريف، وللأسف الحركات النسوية تساعد هذه الجهات على بلورة موقفهم القاسي ضد النساء المغدورات من خلال تمسكها بعبارة ( قتل النساء على خلفية الشرف )، ويمكنها استبدالها بـ ( قتل النساء على خلفية الشك ) من أجل نزع ذريعة الفضيلة والأخلاق التي يتحجج بها مقترفي تلك الجرائم وتعريتهم أمام الرأي العام وتسويقهم كمجرمين وليسوا شرفاء قاموا بغسل عار العائلة.
وأختم وجهة نظري بحادثة واقعية تدلل على أن قتل النساء بهذه الطرق البشعة لا تتم على خلفية الشرف إنما على خلفية الشك أو الغدر...
أقدم مراهق فلسطيني في الآونة الأخيرة على قتل شقيقته الطالبة الجامعية بعد أن أفرغ رصاصات جهله وغدره في رأسها وهي نائمة بعد عام من قيام عائلتها بتلويث سمعتها والطعن بشرفها على مرأى ومسمع الجميع دون أي اعتبار لآدمية تلك الفتاة المغدورة، رغم أن الفحوصات الطبية في حينها أثبتت بما لا يدع مجال للشك عذريتها، وأنها حافظت على شرفها وكرامتها حتى لحظة الغدر بها، وكما دلت ملابسات جريمة قتلها أنها جاءت هرباً من جريمة قتل أخرى قام بها أفراد العائلة قبل عام ونصف لأحد المواطنين من أجل بعثرة الأوراق، وتجنب العواقب الوخيمة لجريمتهم الأولى وسعياً من تلك العائلة لتثبيت أن قتل ابنتهم تم على خلفية الشرف، وصولاً لمبرر قتل المواطن أنه تم على خلفية نصرة ابنتهم والدفاع عن شرفها.
وهنا السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل قتلت هذه الفتاه على خلفية الشرف أو الشك أو الغدر أو لمجرد تقديمها قرباناً للثقافة السائدة في المجتمع العربي التي تتطلب قتل النساء تحت أي حجج واهية لا علاقة لها بسمعتهن أو شرفهن.
**********
نشر في مجلة الغيداء بتاريخ 1/8/2007
محمد كـريزم- عدد الرسائل : 7
تاريخ التسجيل : 18/09/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى