الإعلام ودعم قدرات المرأة
صفحة 1 من اصل 1
الإعلام ودعم قدرات المرأة
الإعلام ودعم قدرات المرأة
د. ألفت حسن أغا
د. ألفت حسن أغا
أثار مؤتمر بكين الرابع عن المرأة عام1995, الاهتمام الدولي بالدور الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في إبقاء تبعية المرأة, علاوة علي أهمية هذا الدور في تقدم حقوق المرأة. فلقد قدم إطار العمل الصادر عن مؤتمر بكين نظرة عامة عن المشاكل والقضايا التي تحيط بالمرأة والإعلام, وقدم الاستراتيجيات الخاصة بالحكومات والمؤسسات الإعلامية والمنظمات غير الحكومية وفاعلين آخرين من المجتمع المدني. ولقد دعا مؤتمر بكين إلي:
1- زيادة مشاركة المرأة, والوصول إلي وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات الجديدة.
2- تقديم عرض متوازن وغير نمطي عن المرأة في الإعلام.
ولا شك أنه في ظل ثورة الاتصالات الكونية وظهور تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الجديدة, يبرز دور وسائل الإعلام في عمل إسهام تاريخي لتقدم وتمكين المرأة. ويمكن تعريف' التمكين' بأنه عملية تتضمن التالي:
- الحصول المتكافئ علي الفرص في استخدام موارد المجتمع ـ منع التفرقة علي أساس النوع في الفكر والممارسة ـ منع العنف ـ الاستقلال الاقتصادي ـ المشاركة في كل مؤسسات صنع القرار ـ حرية الاختيار في أمور تتعلق بحياة الفرد وعند الحديث عن عملية تمكين المرأة, يجب الأخذ في الاعتبار أن النساء لا تشكلن فئة متجانسة, ولذا فإن أولويات التمكين لجماعات مختلفة من النساء ليست متطابقة. فبالنسبة لعدد كبير من النساء في الدول العربية اللاتي عليهن الصراع من أجل البقاء, فإن توفير الحاجات الأساسية, مثل الغذاء الصحي, مياه الشرب النظيفة, التعليم الأساسي, الرعاية الصحية الأساسية, فرص تنمية المهارات, الحصول علي الأنشطة التي تدر دخلا. أما بالنسبة للنساء اللاتي استطعن الحصول علي بعض هذه المطالب الحياتية, فأولويات التمكين تختلف بالنسبة لهن. ولا شك أن التعليم يلعب دورا مؤثرا في عملية تمكين المرأة. ولخلق بيئة تحفز علي تمكين المرأة, يجب أن تحتوي نظم التعليم علي القيم التي تحث علي احترام أدوار المرأة ومسئولياتها والتي تعترف بإسهاماتها في المجتمع.
البث المباشر عبر الأقمار الصناعية:
شهد العقد الأخير من القرن العشرين عدة ابتكارات جديدة في العالم العربي في أمور تتعلق بالمرأة والإعلام. فلقد أحدث البث المباشر عبر الأقمار الصناعية زيادة الرقعة الإعلامية خارج السيطرة الحكومية والتي تستجيب للمنافسة علي المشاهدين, وذلك من خلال انتشار القنوات الفضائية المتعددة. ويوفر البث المباشر عبر الأقمار الصناعية خدمات تعليمية وثقافية وفنية وترفيهية للمرأة العربية. وقد بدأت الفضائيات في لعب دور في دعم التدفق المعلوماتي لما تتمتع به من إمكانيات تصل بها إلي المناطق النائية, وتخلق بيئة متعددة القنوات والتي تدعو النساء العربيات لأخذ فرصة الوصول العادل والمتساوي للموارد الكونية والمحلية, وللتسهيلات التي توفرها قنوات الاتصال التقليدية والحديثة. وعن طريق هذه الفضائيات يمكن تبادل الآراء والمعلومات والأفكار وتلقي العديد من الإنتاج الثقافي المصمم لجذب مختلف الأذواق والاهتمامات.
بدأ البث المباشر عبر الأقمار الصناعية التأثير في كل مناحي الحياة العامة والتأثير علي المرأة العربية بصفة خاصة. وكما هو الحال مع كل تغيير, هناك من يري أن السلبيات تفوق الإيجابيات, ولكن رغم المخاوف من تأثير هذه الفضائيات السلبي, يعتبر البث عبر الأقمار الصناعية فرصة ممتازة للحصول علي المعلومات والمعرفة للمرأة العربية من خلال الخدمات الفضائية المختلفة التي تقدم الأخبار وبرامج الشئون العامة, حيث أن هذه البرامج تعد أدوات هامة لزيادة الوعي بالقضايا الدولية.
ويحمل البث المباشر عبر الفضائيات الكثير للمرأة العربية. فهو يوفر منبرا لتبادل الآراء والأفكار, ويعتبر وسيلة هامة للتنمية والتمكين, وأيضا وسيلة للتعليم تتحدي عوائق الزمن والمسافات, وكأداة للإسراع بالتقدم والتنمية. فالبث المباشر يتجاوز أهم معوقات الاتصال وهي الأمية وتحكم الحكومات في المضمون. فلا شك أن تكنولوجيا المعلومات تمكن المرأة من ممارسة حقها في السعي إلي تلقي المعلومات والأفكار.
صورة المرأة في وسائل الإعلام:
تشير كثير من الدراسات التي أجريت علي صورة المرأة في وسائل الإعلام, إلي أن المرأة تعرض في وسائل الإعلام كرمز وأداة للجنس, وتستخدم الإعلانات المرأة لكي تبيع المنتجات, كما تساعد صور العنف والصور الفاضحة للمرأة لتسويق الأفلام. وبدلا من إعطاء الأولوية للرفاهية الاجتماعية تخاطب وسائل الإعلام الأذواق الشعبية من أجل كسب مزيد من الأموال, كما يركز الإعلام علي الأدوار الاستهلاكية للمرأة والطفل مستخدما الإعلانات والأعمال الدرامية التي يتم توظيفها لإعلاء صوت الأنماط الاستهلاكية والفردية والإثراء السريع والتي تؤدي إلي استفزاز الجمهور المتلقي.
ففي الوقت الذي تستطيع فيه وسائل الإعلام أن تكون أدوات هائلة للتغيير, تستطيع في نفس الوقت أن تكون أدوات هائلة للظلم الاجتماعي. ولهذا يجب مشاركة المرأة وإعطاؤها الفرصة للتعبير عن النفس واتخاذ القرار من خلال وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال الحديثة. كما يجب مراعاة إعطاء صورة متوازنة وغير نمطية عن المرأة في الإعلام, حيث تعتبر الصحافة والراديو والتليفزيون والسينما والمسرح والإنترنت وسائل قوية للمطالبة بالمساواة بين الجنسين وإبراز دور المرأة في المجتمع, وذلك بعرض النماذج المشرفة للمرأة في كل المجالات.
ومن هنا يجب دعم الدور الإيجابي الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في عملية تمكين المرأة, كما يجب الاستمرار في البحث عن طرق وأساليب جديدة للتأكد من أن صوت المرأة يجد من يسمعه.
في الحقيقة فإنه يقع علي وسائل الإعلام دور رئيسي في تغيير الصورة النمطية السلبية عن المرأة, فوسائل الإعلام لم تعد فقط المرآة التي تعكس صورة المجتمع وأحداثه. فلقد توسع وامتد تأثيرها ليشمل ترتيب أولويات ومصالح الجماهير المتلقية, وهي بالفعل تؤثر علي كيفية تشكيل الجماهير للمعرفة والاتجاهات والمواقف والممارسات.
إن تقديم صورة المرأة في وسائل الإعلام بطريقة أكثر إيجابية وواقعية يقع أيضا علي عاتق تأثير وجهود النساء العاملات في الحقل الإعلامي. وتفيد تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أن هناك زيادة في عدد النساء المتخرجات في أقسام الصحافة وكليات الإعلام واللاتي يعملن في المؤسسات الإعلامية علي المستوي المهني. ويمكن ملاحظة هذا الحضور المتزايد للنساء في وسائل الإعلام علي المستوي الدولي وفي العالم العربي. ولكن رغم أن بعض النساء قد حصلن علي مناصب صنع القرار في المؤسسات الإعلامية, مازال عليهن أن يلعبن دورا أكثر نشاطا وحيوية في تغيير الصورة التي تقدم بها المرأة في الإعلام. إن هذه الزيادة في عدد النساء في المناصب القيادية لا تعني التحكم في مضمون البرامج. ولذا يمكن القول أن حصول المرأة علي المناصب القيادية في الإعلام لم يعطهن حرية تحدي القيم الاجتماعية السائدة.
الديمقراطية:
إن المعضلة الأساسية لتحقيق الديمقراطية في العالم العربي ليست التفرقة والتمييز ضد المرأة, ولكن حقيقة أن الشعوب بأكملها تتمتع بحقوق سياسية محدودة. فالمشكلة لا تتعلق بإعطاء المرأة نفس حقوق الرجل, بل تتعلق بإصلاح النظام السياسي بطريقة تعطي الشعب بأكمله الحقوق المدنية والسياسية الكاملة كما نصت عليه الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان.
وفي بعض الأحيان عندما تحصل النساء علي مناصب سياسية هامة في الدول غير الديمقراطية, فإنهن يفشلن في التقدم نحو الديمقراطية وذلك لحرصهن علي الحفاظ علي مناصبهن والإبقاء علي الوضع القائم من أجل البقاء في السلطة. فليس هناك ما يؤكد أن إعطاء المرأة المناصب الهامة في المجتمع سيقود هذا المجتمع إلي الديمقراطية. وفي أحيان كثيرة تولت المرأة العديد من المناصب القيادية في وسائل الإعلام, ورغم ذلك فقد فشلت في إحداث أي تغييرات في السياسات الإعلامية. كما أنها لم تنجح في تغيير الصور النمطية عن المرأة في الإعلام. باختصار يمكن القول إنه بينما لا تستطيع الدولة التمتع بديمقراطية طالما أنها تستبعد النساء, فإنه من الوهم القول بأن إعطاء المرأة نفس الحقوق المحدودة مثل الرجل في مناخ أوتوقراطي, سيعزز تحقيق الديمقراطية في تلك الدول. المعركتان أساسيتان ويجب الكفاح من أجل تحقيقهما معا. يجب البدء في الحديث عن حقوق كل المواطنين بمن فيهم النساء. فإن معركة الإصلاح والديمقراطية والحكم الجيد تبقي بالأساس معركة حقوق إنسان. أن التحدي الحقيقي هو عودة الأغلبية للحياة السياسية وهي معركة النساء والرجال معا.
ولكن هذا لا ينفي أن مشاركة المرأة تقوي وتدعم الديمقراطية, فلا توجد ديمقراطية حقيقية بدون مشاركة كل الأعضاء في عملية صنع القرار والسياسة الحكومية. ولذلك يجب دعم وحماية حق المرأة المتساوي في التعبير عن وجهات نظرها علانية, ومناقشة السياسات والمشاركة في العملية الديمقراطية. يجب أن يكون لدور المرأة في الحياة العامة والسياسية الأولوية الفائقة, لأن المجتمع لا يمكن أن يحقق أي تقدم يذكر إلا إذا اتسعت المشاركة في الحياة العامة لكل المواطنين دون تفرقة بين الرجل والمرأة.
هناك عدة أسئلة يمكن طرحها فيما يتعلق بموضوع المرأة والإعلام:
1- كيف يستطيع الإعلام في العالم العربي أن يقدم صورة أكثر إيجابية وحقيقية عن المرأة؟
2- كيف يمكن خلق وعي حقيقي بقضايا المرأة ومشاكلها تكون مرتبطة بمشكلات الواقع العربي الراهن والتحديات التي يواجهها؟
3- كيف يتم وضع سياسات إعلامية متوازنة تجاه قضايا المرأة العربية وإشكالياتها, وهي السياسات التي تأخذ في الاعتبار مسئوليات المرأة في شتي المجالات, وتبرز المعوقات التي تحول دون إطلاق طاقات المرأة الكاملة؟
4-ما هي الوسائل التنظيمية التي يجب أن تتخذ في هذا الصدد؟
5- كيف يمكن تقوية وتعزيز دور الإعلاميات العربيات كوسيلة لتغيير الصورة النمطية للمرأة في الإعلام؟
لاشك أن النساء العاملات في الحقل الإعلامي هن أكثر الناس قدرة علي عرض الصورة الحقيقية للمرأة العربية وللمجتمع العربي الإسلامي. ويجب ألا يقتصر دورهن علي قضايا المرأة فقط, بل يجب أن يمتد هذا الدور ليشمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية, ولذا يجب علي الإعلاميات العربيات أن تعملن علي الحصول علي المزيد من المصداقية من خلال تحسين مهاراتهن اللغوية واكتساب الخبرات اللازمة لتغطية هذه المجالات. ومن هذا المنطلق يجب تنفيذ التدابير التي تضمن زيادة وتمثيل واشتراك المرأة في الهيئات التقنية والتنظيمية علي جميع مستويات صياغة السياسات وفي عملية التنفيذ وفي جهود التنسيق الدولية المبذولة بصدد وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.
يري بعض المتخصصين في مجال الإعلام في العالم العربي أن هناك حاجة إلي إيجاد منظمة لمراقبة الإعلام. فتستطيع شبكة من الأفراد الذين يراقبون بدقة أسلوب عرض ومعالجة قضايا المرأة في وسائل الإعلام المحلية ثم يعترضون عندما يكتشفون أن طريقة العرض غير عادلة وتحط من قدر المرأة. تستطيع هذه المنظمة أن تدعو للتغيير. كما اتفق كثير من المتخصصين في مجال الإعلام علي ضرورة أن تلعب المنظمات غير الحكومية دورا في مراقبة الأنشطة, بالإضافة إلي السعي نحو إيجاد روابط قوية مع وسائل الإعلام.
وتستطيع وسائل الإعلام المقروءة أن تكون إحدي وسائل تحقيق تمكين المرأة. وهناك اقتراح ركز علي مطبوعات المرأة المتخصصة التي توفر البديل والتغطية المتميزة لقضايا المرأة. ومن ناحية أخري طالب البعض بمزيد من المساواة بين الرجل والمرأة في الصحف والدوريات لإحداث تغيير في المضمون الذي يكون فيه تمكين لدور المرأة.
علي وسائل الإعلام أن تستهدف تغيير وجهات النظر التقليدية السائدة حول دور المرأة العربية وقضاياها, وأن تطرح رؤية نقدية تستطيع أن تقف أمام الإعلام التجاري الذي يستهدف الربح فقط, ويقوم بتزييف وعي الجماهير حول وضع المرأة ودورها.
ومن هذا المنطلق يجب أن تكون هناك استراتيجية للإعلام عن المرأة العربية تحدد الأولويات والبرامج والسياسات تجاه قضايا المرأة تستهدف إزالة كافة المعوقات التي تمنع الاستفادة من التطور العلمي والتقني في مجال الاتصال والمعلومات.
كما يجب التنسيق بين وسائل الإعلام العربية( إذاعة, صحافة, وتليفزيون), من ناحية, وبين مراكز الأبحاث والجامعات والهيئات الحكومية والأهلية التي تعني بقضايا المرأة العربية لتطوير البرامج الدرامية ووضع ضوابط أخلاقية للإعلانات من ناحية أخري. كما يجب الاهتمام بإعداد برامج تدريبية وتثقيفية للإعلاميين والإعلاميات العرب للنهوض بمستويات الوعي والأداء الإعلامي الجيد. ويجب أيضا النهوض بالوظيفة الثقافية والاجتماعية للإعلام ودوره في تشكيل وعي الجماهير عن الواقع المجتمعي بكل ما يحتويه من موروثات وتحديات وطموحات.
يجب إيجاد السبل لأقلمة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات لحاجات الفقراء وخاصة النساء الأميات, وذلك لإزالة العوائق ودعم تمكين المرأة. يجب أن تستخدم موارد وإمكانيات الإعلام لمساعدة المرأة علي اكتساب المهارات والحصول علي التدريب اللازم والتعليم الضروري للحصول علي وظائف جديدة, وسوف يسهم ذلك في تحسين وضعهن الاقتصادي والتمكين السياسي وتحقيق الذات.
وفي النهاية يمكن القول إن نوعية البيئة الثقافية التي نعيش فيها لا تتحدد من قبل وسائل الإعلام الكبري, أو من قبل المنظمين والمتحكمين في الإعلام فقط, ولكن أيضا من قبل مستخدمي وسائل الإعلام والجمهور المتلقي لرسالته. فلو كنا نريد تعددية في المضامين الإعلامية, فإنه يمكن التعامل بكفاءة مع التهديدات التي تستهدف حق المرأة والشعب بصفة عامة في الاتصال, إذا أمكن تعبئة مستخدمي وسائل الإعلام والجماهير المتلقية للمطالبة بالمزيد من التنوع في ما توفره من معلومات وما تطرحه من قضايا.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى